الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على خير من مجَّد وحَّد، وعلى آله وصحبه والتابعين، وكل من وحَّد وتحت راية الإسلام اتحد.
أما بعد، فإن أهم ما يجب أن نركز عليه نحن المسلمين ونوجه بوصلتنا إليه هو الوحدة، والعمل على إذابة ألواح الجليد الفاصلة بيننا، شعوب ومذاهب، مدارس ومشارب، من خلال العودة للأصول والتسمك بالمقاصد العليا، وترك التعصب للفروع والخلافيات التي لا تفسد للود قضية أصلًا، خصوصًا في مثل هذه الأيام العصيبة، أيام المحن، والابتلاءات، والتشرذم، والضعف.
فديننا دين التوحيد لله سبحانه، والتوحُّد لتحقيق مرضاته، والاجتماع على إقامة أوامره واجتناب نواهيه، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، فحريٌّ بنا أن نتمسك جميعًا بحبل الله سبحانه، ونفك ارتباطنا عن كل ما سوى ذلك من حبال، لننعم بالأخوة في الله – أسمى مقامات الأخوة، وأكبر مجمع للمسلمين – بعيدًا عن الجماعات والأحزاب، والمدارس والمشارب، تحت مسمى واحد سمانا به ربنا فقال: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: من الآية 78].
وها هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى ما يرضاه ربنا لنا وما يكرهه فيقول: ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
هذا قوله صلى الله عليه وسلم، أما فعله ففيه الكثير مما يدل على جمع الصف والكلمة، كذلك إذا نظرنا في أركان الإسلام وشعائره فإننا نجد الحث على الجماعة والوحدة واضحًا وضوح الشمس، فالصلاة جامعة، والحج جامع، وشعائر الأعياد جامعة، وفي الصيام والزكاة والمعاملات، وفي كل أحكام الشريعة مظاهر حفظ الفرد والحفاظ على وحدة المجتمع.
ختاما ليس هناك شيء يبدل حالنا، وينهض بنا، ويخلصنا من الضعف والتفرق – بعد الرجوع إلى الله سبحانه – سوى الوحدة، ولا بد للوصول إليها من تحقيق مطالبها، وإن من أهم مطالبها: إصلاح النفس، والاهتمام بنشأة الأسرة، واحترام الرموز، وتقدير المعلمين، والنظر إلى الكبار بعين الإكبار والاحترام، وإلى المذنبين بعين العطف والود، والثبات على الحق ونصرة المظلوم مهما كلف الأمر، والاستفادة من تجارب السابقين المذكورة في تاريخنا العريق، مع جعل المرجع الأساسي في كل ذلك الكلام الأزلي – القرآن العظيم – الذي فيه منهجنا وبه حياتنا، وبيانه – السنة الشريفة – التي صدرت من القائد الأول والأسوة الحسنى صلى الله عليه وسلم وجزاه الله عنا ما هو أهله.
أسأل الله العظيم أن يوحد كلمتنا، ويجعل فرج أمتنا قريبا، ويجعلنا سببا لذلك، إنه نعم المولى ونعم النصير.
0 1٬443 2 دقائق