ثلج الربيع / إبراهيم نور الدين
(بمناسبة نزول الثلج في شهر إبريل في طاجكستان)
إن عبارة “مطر الربيع” عبارة فيها ما فيها من إيحاء الحياة والجمال, والخصب والنماء, ودلالة على كون الشيء في موسمه وفي وقت الحاجة إليه دون تقديم أو تأخير ودون زيادة أو نقصان.
لهذا نرى الكتاب والشعراء يستخدمونها حين يصفون جمال الطبيعة أو حين يكنون عن مادة الحياة المتجددة.
ولكن “ثلج الربيع” ليس من هذا القبيل, ليس فيها دلالة نماء أوعنوان جمال.
لأن الثلج له وقته المعتاد وهو الشتاء, وكل شيء في الطبيعة إذا جاء في وقته المحدد فهذا يعني أن أمر الكون جار على مجراه وأن حال الناس على خير.
ولكن حينما تمسك السماء عن الثلج وقت الشتاء، وتصبه على الناس وقت الربيع
حينما تتساقط الثلوج عليهم وأشجارهم قد لبست الزهور وصارت كالعروس في لباسها، وأخرى حملت ثمارها و كادت أن تزهي, فتكسر أغصانها وتتلف ثمارها, فهذا له معنى آخر.
ولا ينبغي للعاقل أن يمر بمثل هذه المناظر دون أن يقرأها ويحللها ويستخرج منها دروسها.
إن لمثل هذه الظاهرة تفسيرين:
تفسير أرضي، و أخر سماوي:
أما الأرضي: فكالذي سمعناه أمس من متخصصيي مجال الطقس وهو أن رياحا باردة قدمت علينا من شمال روسيا فكانت النتيجة ما كانت.
هذا جيد
أن تعرف الرياح من أين جاءت ومتى وصلت وكم كانت سرعتها وو… فهذا ينبئ عن تقدم علمي لدى البشر.
ولكن هذا التفسير تفسير أرضي محض وإن كانت مفرداته مما هو في السماء من رياح وسحاب.
إن هذا التفسير لا يعطينا للحادث صورته الكاملة ولا يدلنا على علله الأصلية كما لا يقودنا إلى معرفة سنن الله الثابتة.
وهناك تفسير علوي له أو إن شئت قل تفسير قرآني.
يا للعجب, هل في القرآن شيء في أمر الثلوج و عن موسم هبوطها!
هل قصة الثلج والمطر مهمة إلى هذه الدرجة حتى يدع القرآن حديث القبور وما بعد القبور ويشتغل بها!
أنتم يا معشر الإسلاميين ومن تشتغلون بالقرآن تتكلمون بكلام حيث يظن سامعه أن هذا الكتاب لم يترك من أمر الناس شيئا إلا قاله, وأنه ما من حادثة لهم إلا وله في شأنها سور وآيات.
نعم, إن الأمر كما قلتم.
إن القرآن قد تكلم في كل أمر يواجه الإنسان في حياته صغيرا كان أو كبيرا, ظاهرا كان أو باطنا, خاصا كان أو عاما, خيرا كان أم غيره…
لقد أشار إلى هذا المعنى الإمام الشافعي في رسالته التي وضعها كقواعد لفهم أسرار هذا الكتاب العظيم وأحكامه حيث قال:
“فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”
نعم, في القرآن وصف لكل مشكلة تواجه الإنسان من الوباء والبلاء كما فيه بيان لكيفية تفاديها وإرشاد لسبيل علاجها ولكنها الأفهام هي التي تقاصرت.
إذا كانت الورقة لا تسقط من شجرها دون إذن من خالقها وله الحكمة البالغة في كل أمر يحدثه وفي كل تدبير يدبره , فنزول الثلج في منتصف شهر إبريل أو حدوث جائحة عالمية أمر أكبر من سقوط الورق شجرها, فكيف يمر الإنسان بمثل هذه الأحداث دون توقف وتأمل!؟
لقد وبخ الله سبحانه تعالى من يمرون على الأحداث حولهم دون توقف ولا ينظرون إلى معانيها ولا يتأملون, فقال:
وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ
إن الكون كتاب منظور لمن يملك البصر لرؤيته والبصيرة لقراءته.
ونزول الثلج في إبريل وهلاك الزروع والثمار به، لا جرم فيها رسالة من الله سبحانه إلى عباده.
وأسلوب القرآن في تربية الإنسان وتوجيهه أنه يعطي له نماذج في كل باب ثم يدعه يقيس بها الأشباه والنظائر في سائر أمره.
لقد حدث مثل هذا النقص للثمار لقوم فرعون لسبب كان فيهم, فنزل البلاء عليهم لمقصد أراد الله تحصيله منهم.
إذن لكل بلاء سبب ولنزوله مقصد.
قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
“لعلهم يذكرون”
هكذا اختصر القرآن بإعجازه علة نزول الآفات والبلايا على البشر.
يفهم من الآية أنه كان هناك إعراض من القوم سبق نزول البلاء, فهم جلبوا البلاء بما كسبت أيديهم, “وأن الرجل ليحرم من الرزق بذنب يصيبه” فأراد الله تذكيرهم كي ينتهوا عنه, فهذه هي وظيفة الآفات والمصائب, فهي سياط يسوق الله بها عباده إلى طاعته ويحملهم على الفرار إليه, لأن مراد الله عز وجل رجوع العباد إليه طوعا أو كرها.
وهذا المعنى جاء في عدد من الآيات, منها قوله تعالى:
وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
لقد ذكر الإمام الطبري قول ابن عباس وأبي بن كعب والحسن وأبي العالية في تفسير الآية أنهم قالوا: إن المراد من “العذاب الأدنى” هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها يبتلي الله بها عباده حتى يتوبوا.
قال ابن عطاء الله: “من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان”
فكأن هذا الثلج بما خلف من هلاك الزروع والثمار يقول لنا: جئت حتى تتنهوا عما أنتم عليه, جئت إليكم كي تتوبوا.
ونحن تعودنا من الناس أن نسمع منهم في مثل هذه الأحداث مقولتهم الشهيرة: إن الكون ملك لله, شاء الله فنزل الثلج والمطر…
نعم صدقوا, شاء الله فنزل ولكن نكمل ونقول: و إن الناس أيضا عبيده, شاء أن ينزل عليهم من الآفات حتى يستيقظوا ويتوبوا “و من لم يعرف قدر النعم بوجدانها, عرفها بوجود فقدانها”
وإنما ينبه من صدر منه الإغفال أو طرأ عليه الإهمال.
0 1٬767 3 دقائق