وباء الكورونا وواجب الوقت/ أحمد عبد الغفار
مما تواضع عليه ذوو العقل والرأي، على اختلاف الأعصار والأحوال، أن لحظات النوازل، وأوقات الجوائح، وغمرات الملمات، دوما ما تكون استثنائية في حياة الأمم والممالك والدول، يعقبها رفع وخفض، وظهور وانزواء، وكينونة وانعدام؛ إذ تنمحي دول، وتبرز إلى الوجود أخرى، وينفرط عقد ممالك، ويلتئم عقد أخرى، وتساد أمم وتنصاع لأوامر أسيادها الجدد، وتسود أخرى ويكون لها فصل الخطاب بسيف الغلب في فرض عوائدها وطرق حياتها على الأمم المغلوبة.
ومما لا امتراء لأحد فيه، أن هذا الوباء الذي تعيشه البشرية اليوم معدود في جملة النوازل والجوائح والملمات، ولا غرو أن تشهد بأم عينيك -عزيزي القارئ- تضعضع قوى العالم العظمى، تحت وطأة ضربات هذا الفيروس الذي ما يسطيع أحد من بني الإنسان أن يرمقه بمقلتيه، بله أن يتحسسه بأطرافه، لترى دولا وكيانات واتحادات ومنظمات كبرى ترفع راية الاستسلام، وتجمع -بلا جدوى- الطارف والتليد من إمكاناتها؛ علها توقف زحف هذا الوباء، وتستحث -بلا كلل ولا ملل- بعوث البحث؛ كي تعمل على إيجاد لقاح يهد عرامه، ويكسر أنيابه. وهل أتاك نبأ تريليونات الدولارات التي تضخ في الأسواق المالية العالمية -دون ما فائدة- لوقف هذا النزيف الاقتصادي الحاد الذي يكاد يودي بإمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس؟ ولعمري ما يعزب عنك أمر جلل يحدث إبان تفشي هذا الوباء، وأعني به حرب النفط، المستعر أوارها، الناشبة أظافرها في مناطق كان مجرد الاقتراب منها جرما لا يغتفر.
إذن هلا ساءلت نفسك ومن حولك -أيها القارئ الكريم- عن الحكمة التي من أجلها يعيش الإنسان كل هذه التغيرات، وهاتيك التقلبات. إخال أن لن يعييك طول التأمل، والاستغراق في التفكير، إذا استبان لك أنها عود الثقة للمسلم فيما يعتقد؛ فالناس مهما تفاوتت درجة إيمانهم بقدرة الباري -جلت حكمته-، ويقينهم بموعوده، فإنهم -بين الفينة والأخرى- بحاجة إلى ما يقوي دعائم هذا الإيمان، ويشد من أواصر ذلك اليقين، أعني مثل هذه الآيات الناطقة بطلاقة القدرة الإلهية، حيث تجعل أبعد الناس عن الجادة، يلهج لسانه بالتضرع إلى الله، والتذلل لجنابه، كما تقرر في غير ما موضع من الكتاب العزيز.
أجل.. إنه عود الثقة للعبد في ربه ودينه… وذاته وكينونته، نعم.. ثقته تلك التي حاول أعداؤه قتلها والتخلص منها، زهاء خمسة قرون، بعد أن غرد منفردا في سماء المجد نحو عشر مائة سنين.
لقد استطال الإنسان الغربي ظلما، وعاث في الأرض -كل الأرض- فسادا، حتى إنه أوصلته ماديته وصلفه واغتراره بقوته، إلى إنكار من وهبه العقل ليبدع كل هذا التقدم العلمي المذهل، وتجسد فيه -بحق- قول الله -تعالى-: “كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن رآه استغنى(7)” [سورة العلق/ الآيتان 7،6]
وعلى طرف الثمام، فإن مسلمي اليوم قد وصلوا إلى درك من الحضيض، جعلهم ينكرون فيه أنفسهم على الجملة، ويستكينون لحال الاستضعاف التي ضربها عليهم أعداؤهم، وكأنه قدرهم الذي لا محيص لهم عنه.
إن الذي أنهض أمم البغي -وهي لا تدين بدين الحق- بثورته الصناعية الكبرى قبل نحو ثلاثة قرون، لقادر أن ينفخ روح الإرادة والعزيمة والمضاء في أمة العدل -وهي تدين بدين الحق-، لا سيما وقد كانت لها تجربة سعدت بها البشرية جمعاء، إذ كانت تستظل بوارف ظلالهم، وتأوي إلى سمح سلطانهم، على ما دونه أساطين الاستشراق في طروسهم، وألقوه في دروسهم.
إن المسلمين اليوم في مفترق طرق، بيد أنه لا خيار لهم، إلا أن يتسلحوا بأسلحة الإيمان والعلم، ولا يتركوا سبيلا يرقى بهم إلى سدة الشرف الأثيل، أو ذروة السؤدد الرفيع، إلا تحتم عليهم أن يسلكوه، فيسبروا أغواره؛ حتى يكون لهم في ذلك كله قصب السبق، والقدح المعلى، وساعتئذ –فقط- يستعيد المسلمون مكانتهم، التي كانوا منذ بزوغ شمس دينهم، أحق بها وأهلها:
ولا تحسبن المجد زقا وقينة فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
وأخيرا وليس آخرا، نجأر إلى الله -سبحانه- بهذا الدعاء، عسى أن يصادف قلبا صادقا ساعة إجابة:
يا رب هبت شعوب من منيتها واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه تديل من نعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لأجل رسول المسلمين بنا ولا تزد قومه خسفا ولا تسم
يا رب أحسنت بدء المسلمين به فتمم الفضل وامنح حسن مختتم